قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل السابع والثلاثون

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل السابع والثلاثون

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل السابع والثلاثون

لا تأتيك الرياح بما تشتهيه نفسك، ولن تأتيك يومًا، فليست تلك الرياح من تُنصفك، متى نُصفت من الأساس؟
متى ضحكت الحياة لك؟
تحرك بين طُرقات القصر حيث غرفة والدته، حتى وصل إليها يطرق الباب، منذ دقيقة تقريبًا ولا رد يأتيه، نادى بصوت مرتفع على إحدى الخادمات، متسائلًا:
متأكدة إن ماما في الأوضة؟
أجابته بتوتر من نبرته المرتفعة والمتوترة: آه أنا لسه جيبالها ورق التحاليل من خمس دقايق بس.

تركها عائدًا للغرفة وبعد الطرقة الأخيرة، فتح الباب ودخل بحرص خشيةً أن تكن والدته في وضع لا يُسمح له برؤيته به.
كانت مرمى الغرفة التي كشفته عيناه فارغًا، لكنه وجد صوت من المرحاض، لذا قرر الخروج والعودة بعد قليل للاطمئان عليها.
مرّ بعيناه في المكان قبل الخروج، ليلمح ورق التحاليل على الفراش، تقدم بفضول ورغبة للاطمئان على والدته.

سُحبت الدماء من وجهه وكما حدث مع والدته حدث معه، حيث سقطت الورقة من يده وتهدجت أنفاسه، في تلك اللحظة التي خرجت فيها والدته، كانت تمسح وجهها محاولة الهدوء والتفكير...
رفع عيناه تلتقي بها بصدمة دون حديث، وهي أردفت بتلعثم ناطقة اسمه: مه، مه. مهند،.

هتفت بدهشة وعدم فهم: إيه! أنتم قولتوا إيه دلوقتي؟!
رمشت نور بالمقابل تُطالع نورسين تخطف منها ذات السؤال: أنتِ قولتي إيه؟
جعظت أعين نورسين بعدم فهم، قائلة: أنت اللي قولتي إيه؟!
ضحكت ألماس باستيعاب وعدم تصديق هاتفة بحماس: أنتِ وهي حامل!
دارت نظراتهم بين بعض، حتى صرخوا بحماس وهم يتأكدوا من شكوكهم، ثلاثتهم قد حملوا في ذات الوقت تقريبًا.

هتفت ألماس بسعادة وهي تبتسم بحماس: لولا هتفرح أوي هيكون عندها 3أخوات!
انتبهت نور، فتحدثت وهي تجذب هاتفها تُغلق ذالك الفيديو الذي حفظ لحظاتهم، تتحدث وهي تعبث بهاتفها: محدش يقول لسيف حاجة أنا قولتلكم أنتم الأول.
أيدتها نورسين بقولها تُكر في طريقة مميزة لإخبار زوجنا: ولا أنا حد يقول لمهند، أنا هقوله أنا مفاجأة.
غابت نور عن الحديث مع صديقاتها، وهي تتحدث مع زوجها عبر الرسائل على مواقع التواصل: سيفو.

خير يا حبيبي؟
إيه خير دي؟!
ابتسم سيف بعدم فهم لاستعدادها للهجوم في أي لحظة مُرسلًا: أجبلك حاجة معايا يا حبيبي؟
متتجاهلش رسالتي يا سيف.
إيه خير دي، هو أنا بعمل مشاكل.
لا يا حبيبي عُمر العيبة ما تيجي منك، ده أنتِ حبيبي.
إن كانت كلمة «حبيبي» يظن أنها ستصمتها، فهذا ما حدث حين ضحكت بخفة وهي تسترسل حديثها معه، مستغلة هبوط الآخرين لجلب طعام.
سيف بوينت وأنا صفر.
لأ أنتِ عشرة على العشرة وبوسة.

ضحكت مجددًا، وهي تتسائل كيف له أن يكسب الحديث هكذا كل مرة، والله إن كان مهند يتلاعب بالحديث مع نورسين مرة، فسيف معها ألف مرة، وهي كالبلهاء تُصدقه وتبصم بالعشرةِ على حديثه.
طب يا سيفو متتأخرش انهارده، تعالى على البيت على طول.
هتقتليني؟
لا يا عسل، عيوني اللي هتعملها.
أرفقت رسالتها بوجهٍ يغمز وهي تُغلق الهاتف تهبط لصديقاتها، تسمع صدوح هاتفة برسالة من زوجها لا تحتاج لقراءة محتواها.

«عيونك قناصة يا نور. »
عيناك تفعل بي ما لا تفعله أيٍّ من النساء، ماكرة عيناك لواحدها، فما بالي بكِ كلك وبمكرك.

ابتسمت بحزن شديد وهي تقترب برويدٍ لصغيرها و وحيدها تُريد التقاطه بأحضانها وتخبئته من العالم بأكمله حتى ينسى ما قرأه.
أرادت حينها الركض إليه وضمه بقوة، لكن لم يُسعفها أي شيء، فقط خطوات بطيئة مُميته لكلاهما!
تقوست شفتاه والدموع تنهمر من عيناه دون رقيب مُنسدلة بقوة، وخطواته كان صغيرة جدًا، فقط خطوتان بعيدًا عن الفراشة، وهو يرتمي بأحضانه والدته باكيًا بقوة.

تحدث بتلعثم وكلمات متفارقة، كطفلٍ صغيرٍ أرادت والدته لتو تركه بمنتصف الطريق، وقد كان هذا ما يحدث ويشعر به: متسبنيش يا ماما، بالله يا ماما لأ متسبنيش، أنا أنا عارف إن محمود وحشك بس عشاني، عشان خاطري متمشيش، مش دلوقتي، مش مستعد يا ماما.

سقط أرضًا يبكي بقوة وهستيرية، يرفض الاستماع إليها وهي تُحاول إيقافه، مُرددة على أذانه: يا حبيبي متقلقش يا مهند، يا حبيبي متقلقش أنا هكون كويسة صدقني، يا حبيبي أنا هكون كويسة، مهند قوم يا حبيبي.
جلست على الفراش، وهو ساقط جوارها أرضًا يبكي بهسترية، وهي تُطالعه بعجزٍ عن ردعه عن أفعاله تلك ودموعها تسقط.

تحركت بعيناها للورقة أرضًا، تلك الورقة التي تحمل خبر تأكيد أنها مريضة بذاك المرض الخبيث، مريضة سرطان أصبحت هي.

رافقت ألماس في العودة للمنزل، متذكرة رسالة زوجها: حبيبتي معلش خليكي عند ألماس انهارده، أنا مش هعرف أكون معاكي.
منذ متى يبيت خارج المنزل هكذا، فسرت الرسالة متسائلة منذ متى لا يودعها من الأساس! أو يُرسل رسالة.
فاقت على كلمة ألماس التي قالت ضاحكة:
مهند بعت ليا رسالة بيوصيني عليكي.
ضحكت نورسين بخفة، وهي تُطالع الرسالة مع ألماس.
ألماس خلي بالك من نورسين، وخليها عندك الليلة.

رفعت نورسين أنظارها لألماس قائلة: أنا جعانة.
ضحكت الأخرى وهما يُغيران الوجهة للمطبخ، هاتفة: وأنا كمان جعانة جدًا.
جلستا على المائدة الموضوعة بالمطبخ، يأكلون بنهمٍ بعدما تركتهم الخادمات ورحلنا.
أعرف مهند إني حامل إزاي؟
طال صمت الأخرى تُفكر في طريقة مختلفة مبتكرة، وفي النهاية قالت: سهلة صندوق وصورة سونار وجزمة أطفال.
رمقتها بحنق هاتفة بضجر: هديكي بالجزمة يا ألماس!

بهتت ملامحها وهي تُلاحظ دخول آسر من الباب خلف ألماس، لكن ألماس لم تنتبه لا لملامح نورسين ولا من خلفها، فتحدثت قائلة: لا بجد، استني يكون داخل ياخد دُش، وحطي طقم أطفال وسط هدومه اللي هيخرج يلبسها، فكرة لطيفة والله!
أنتِ اللي لطيفة.
صدرت من آسر، وهو يُقبل جانب وجهها يقف جوارها يُحاوطها، استعدادًا لالتقاط جسدها إن فزعت.

وبالفعل فزعت بشدة عائدة للخلف، حتى كادت تسقط لولاه، هاتفة بحنق: مش كده يا آسر، كده مفيش عيال يا حبيبي.
فال الله ولا فالك.
قالها آسر وهو يبتعد يغسل يديه، ثم عاد يجلس جوارها وقبل بدأ الأكل رفع عيناه لنورسين، قائلًا بابتسامة ودودة:
مبارك يا نورسين.
ردت الابتسامة مُضيفة، وهي تتطلع لألماس تود قتلها: الله يبارك فيك يا آسر، متقولش لمهند ماشي؟

لم يُجيبها، بل كان مُنغمسًا بالطعام، ولم تنتظر نورسين رده، بل انغمست هي الأخرى بطعامها.
مرّ الوقت ونهضت نورسين تغسل يدها، ثم أردفت وهي تتحرك في نيةٍ للصعود للأعلى: يلا تصبحوا على خير.
هتفت ألماس لها قبل تحركها: متنسيش بكره تعملي زي ما قولتلك، ويُفضل بليل.
غمزت في نهاية حديثها، فتركت نورسين المكان سريعًا والحُمرة تحتل وجهها بطريقة سريعة.

رفعت عيناها لوالداها اللذان يُحيطناها من الجانب، يُشاهدون معها إحدى البرامج الكرتونية، فعانقت خصر والدها هاتفة:
وحشتوني أوي على فكرة.
أنهت حديثها تُعانق خصر والدتها بسعادة، فهي لم تجلس معهما منذ مدة، جلسة كتلك.
رفعت ألماسة عيناها لوالدتها، متسائلة بضحكة جميلة: ماما بطنك كبرت!
ضحكت ألماس بخفة وهي تُعانق ابنتها، قائلة: لولا أنا عايزة أقولك حاجة،.

انتبهت لها ألماسة بتحفز شديد وحماس، فتحدث آسر ممهدًا وهو يقترب من ألماس يجذب ألماسة على قدمه
، ابتسمت ألماسة برضا لفعلت والدها، فما اعتادت إلا الجلوس بأحضانه:
إيه رأيك لو جه العيلة شخص جديد،
حركت أعينها بينهما متسائلة: مين؟
لحظات وعادت بسؤال آخر دون انتظار رد: شخص كبير ولا صغير؟ بيحبني؟ مين!
مالت ألماس برأسها قليلًا، قائلة بابتسامة: نونو مثلا؟
نونو!

هتفتها بحماس تتطلع لوالدها، ثم صرخت وهي تهبط عن قدم والدها هاتفة:
أنا موافقة طبعًا! هو فين؟ ومين اللي هيجيبه؟!
أنا يا لولا هجيبلك نونو جديد أخ أو أخت.
صرخت بحماس تُعانق والدتها هاتفة بتكرار: أخ أنا هيجيلي أخ، ويكون عندي أخ يا ماما.
تفاجأة ألماس من حركة ابنتها متأوه بخفة وهي تمسك بطنها بيد والأخرى ظهر ابنتها، كي لا تسقط يُساندها آسر في إحاطة ابنته بيده.
براحة يا لولا.

قالها وهو يطمئن على ألماس بعيناه، فأجابته بابتسامة وهي تومي له أنها بخير.
ابتعدت ألماسة تجلس على قدم والدها، وهي تتسائل: هو فين يا ماما؟
ابتسمت ألماس، تقبل كف ابنتها ثم وضعته على بطنها التي بدأت في البروز: في بطني يا حبيبتي لسه مش هيجي دلوقتي، كمان ست شهور مثلًا.
قد كان حملها تجاوز الشهر الثالث حينما علمت.
انتفضت ألماسة تُحرك يدها على بطن والدتها، قائلة: طب وهو بيتنفس إزاي؟!

لسه يا حبيبتي هيتنفس بأنفه لما يتولد.
طب ومش بياكل خالص!
ضحك آسر، متذكرًا كم الطعام التي تأكله ألماس: لا متقلقيش من النحية دي.
طالعته ألماس بضيق متجاهلة ما يرمي إليه، وهي تعود لصغيرتها قائلة: بياكل من اللي أنا باكله يا حبيبتي.
وها قد حان وقت السؤال، الذي تحفز آسر شخصيًا لمعرفة إجابته وهو يبتسم بجانبية ينتظر ردها، فهي حتى الآن نجحت في كل الأسئلة.

تطلعت ألماسة لبطن والدتها وهي تُمسد عليها، ثم رفعت عيناها متسائلة سؤالها الأهم: طب وهنخرجه إزاي دلوقتي؟!
رأت ألماس ابتسامة زوجها تلك، فقابلته بأخرى مثلها وهي تقول لابنتها ولم تنزاح نظراتها عن زوجها: الدكتور يا حبيبتي، مش أنتِ عارفة عمو عزام؟
لم يكن سؤال تنتظر إجابته، التي كانت إيمائه صغيرة من ألماسة وهي تضع كامل تركيزها في حديث والدتها، تنتظر الإجابة.
استرسلت قائلة: عمو عزام هيفتح بطني ويخرج النونو.

ازدادت ابتسامتها وهي ترى خيبة الأمل تعلو ملامح زوجها، فهي قد أجابت بسلاسة وهدوء، ولم تكذب حتى!
نظرت لابنتها، ثم قالت بابتسامة تتخيل حجم عائلتها: هيجيلك 3أخوات، واحد مني وواحد من نور والتالت من نورسين.
كانت تلك الكلمات الأخيرة التي نطقتها ألماس، قبل أن تسرح بذكراها، تاركة ألماسة مع آسر الذي فرح بشدة لحمل زوجات أخيه.
سوارين أنا لا أهتم بذاتي، بالأساس لن يُصيبني مكروه وأنا معك صحيح؟

ولّ أنظاره عنها قائلًا: لستُ أدري تلك أقدار بالنهاية.
انفصلت عنه قائلة: حسنًا فليحفظني الله وإياك.
ثم تركته تدخل من بوابة أخرى للمكان، وهو تبعها بعيناه ثم بدأ دوره هو.
اشتدّ القتال بينهم وبين بعض مهربي الأثار، وكانوا مزودين بكل الأسلحة تقريبًا.
وبنهاية اليوم تم السيطرة على الوضع بالشكل المطلوب، واقتربت ألماس بزي ليريا تلك الشخصية التي عاشتها بحلوها ومرها، من شخص ما كي تُقيده.

حين اقتربت أخرج سكينًا طاعنًا إياها بمعدتها، وكان ذلك الجرح القديم هو العائق للولادة الطبيعية الآن، والمنقذ من سؤال ابنتها.

تحرك بالمنزل يبحث بأعينه عنها فقد اشتاقها وبشدة، منذ الصباح لم يلتقيا وهذا يخلق بداخله شوقًا كبيرًا لها، ولعيناها تلك القناصة المحببة لقلبه.
صعد الدرج بخطوات سريعًا وهو يتطلع للساعة، لم تتأخر بعد، وهي أخبرته أنها في انتظاره، فأين هي؟!
وصل لغرفتهما، فوجد لوحة بيضاء مُعلقة على الباب، مُضاف عليه «الغرفة مكتملة العدد، شخصان. ».

لم يفهم تلك الجملة وهو يفتح الباب يتحرك للداخل، كانت الغرفة سوداء، حتى أضاء ضوء صغير بجوار الفراش، لتضح هي تقف جوار الفراش.
السلام عليكم!
قالها بدهشة من وقوفها هكذا وسط الظلام، فأجابت ببسمة وهي تقترب من محل وقوفه: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مش بدري شويه؟
ضحك بخفة وهو يميل على وجنتها يُقبلها، مُردفًا: حقك على عيني يا حبيبي.

ابتسمت بشدة تشعر أن تلك الكلمات القليلة جعلتها تذوب، لتُحاول تخطي تأثيره وهي تعود للخلف تجذب الملابس الموضوعة على الفراش.
ادخل خد دُش وبعدين نتكلم،
تجاوزته تضع الملابس بالمرحاض، فتابعها بعدم فهم، ماذا يحدث معها! أتنوي قتله فعلا أم ماذا؟!
وهنا حضر لعقله تلك المقولة الشهيرة «من اعتاد القلق ظن الطمأنينة فخ. »
ترك أشيائه على الطاولة الصغير، كما يفعل دومًا وهي تصرخ، واتجه للمرحاض.

غاب عدة دقائق، كانت أنهت بها كل شيء كان ناقص بالخارج، وخرج هو يحمل ثيابه العلوية على كتفه تاركًا جذعه العلوي عاري.
لوت نور ثغرها بضيق شديد، متجاهلة ما يحمله بيده هو والسؤال الواضح بعينه، تنتبه فقط لجذعه العاري الذي دومًا ما يقرر أن يتركه هكذا، ومهما تحدثت وخجلت لا يرتدي، فقط يمن عليها ببنطاله القصير هذا!
أخرجها متسائلًا عن ما بيده، مُستفهمًا: ده إيه؟

ثم انتبه لأشياءٍ على الفراش من خلفها، كانت عبارة عن طقم نوم أطفال وجوارب وحذاء، وهو يحمل بيده روب استحمام صغير وملابس داخلية لطفل.
شعرت هي باضطراب أنفاسه وهو يعود لها بعيناه، فأجابت وهي تقترب قليلًا منه بنبره هادئة، باردة، غير رائفة بحالته: بظبط لنونو حاجته هو كمان، مش من حقه؟!
شعر بغرابة حديثها، عاقدًا حاجبيه وهو يقترب منها، متحدثًا بدهشة وابتسامة ترتسم تدريجيًا على محياه: نونو!

رفع كفيه يُحيط وجهها بحنانٍ، متحدثًا بهمس وهو يقترب منها: أنتِ حامل يا حبيبي!
لم يكن سؤالًا بقدر ما كانت صدمة له، فاكتفت هي بإيماءة صغيرة وابتسامة سرقت ما تبقى من عقله أمام عيناها.
جذبها لأحضانه يُعانق إياها، يهمس بكلمات الحمد والشكر، ثم الحب.
وبرغم كم المشاعر المُحيط بالأجواء، إلا أن رعشة من نوع آخر احتلت جسدها، لتهمس له: سيف!

ابتعد بوجهه فقط يُطالعها بتساؤل، وكان ردها يأتيه بثوانٍ يُظهر حنقها الشديد: سيف ممكن تلبس التيشرت.
بعد بعض الوقت كان كلاهما يرقدان على الفراش، لكنهما مستيقظان، وسيف يشعر بالاختناق من إلزامه النوم بملابس علوية!
ضحكت تقترب منه، هاتفة: بغض النظر عن انزعاجك، بس أنا فرحانة.
ابتسم يضحك بخفة يضمها، متحدثًا: وأنا كمان فرحان جدًا، لوجودك أنتِ وعيون بابا.

ثم رفع عيناه لها سريعًا، بعدما كان يطالع بطنها التي لم تظهّر بعد، متحدثًا بدهشة وكأنه يُدرك الأمر للتو: أنا هبقى أب يا نور!
ضحكت بشدة، وهي تشعر به يزيد من ضمها، يتلو على مسامعها كلمات مبعثرة: هتبقي أحلى أم يا حبيبي لي عيون بابا.
قبل وجنتها بقوة، يضمها أكثر لصدره نابسًا: لازم أقول لآسر،.

بالفعل سحب هاتفه، كي يخبر أخيه يُشاركه تلك الفرحة وهو يسمع كلمات اعتراضية من زوجته: سيف مينفعش دلوقتي الوقت اتأخر، بس يا سيف عشان ميقلقوش علينا!
لكن لا حياة لمن تنادي فقط هاتف أخيه بالفعل، ليصله الرد بعد لحظات بنبرة متلهفة قلقة: سيف أنت كويس؟
أنا هبقى أب يا آسر، أنا حامل، أقصد نور حامل.

كان يتحدث بلهفةٍ شديدة، يُشارك أخيه بحب لدرجة لغبطة الحديث، وما أنبهه إلا ضحكات نور وآسر وألماس والتي من الواضح أن آسر يفتح المكبر.
كان رد ألماس أسرع من آسر، التي قالت من بين ضحكاتها:
ربنا يفرحك يا سيفو ويجي حبيب خالتو بالسلامة.
مبروك يا حبيبي هتكون أحن أب في الدنيا.
هتفها آسر بابتسامة حنونة يُتابع حديث سيف السعيد.

تحرك لداخل قصر العائلة بجواره زوجته، دالفين لغرفة الطعام، حيث اجتمعوا للفطور، جلس وهي جواره، يدور بعيناه بعد إلقاء السلام.
هو مهند مجاش؟!
كانت من سيف ونورسين بدهشة وكلًا منهم يبحث عن الغائب.
كان الليل طويل، طويل بشدة وقاسٍ على البعض كقسوة ليالي أمشير على لقيطٍ.

كانت ليلة طويلة عليها افتقدت زوجها بشدة، بل لم تنم، إلا سويعاتٍ غفتها بارهاق، فهي اعتادت عليه وعلى وجوده ويقلقها غيابه وعدم حديثه معها من ساعاتٍ.
تطلعت نورسين لآسر، متسائلة: هو عنده شغل في الشركة؟
لا مفيش.
قالها وبدأ القلق يتسرب إليه هو الآخر.
حمحم سيف قائلًا بنبره هادئه رسمها بدقة: تلاقيه غطسان بيجيب معلومات لسوارين، يلا نفطر وبعدين نشوفه.

كادت تنهض وهي تنوي الحديث عن اعتراضها، فتحدثت نور تجذبها للجلوس مجددًا: اقعدي يا نورسين هناكل، وبعدين نشوف مختفي فين.
جلست بتوتر وبدأوا الأكل، وبعد أقل من عشرة دقائق، نهضت تستأذن بهدوء ودون ترك فرصة لأحدهم بالحديث.
تحركت نورسين للخارج وتحركت أعينهم بتساؤل قطعه صوت هاتف سيف.
«هقابلكم الساعة 11 ف الشركة أنت وهو. »
كانت رسالة في الجروب الخاص بهما هما وآسر.

تطلعا لبعضها بنظرة سريعة، ثم أكملوا الطعام بهدوء كي لا يُثيران الشكوك.

نبست بهدوء، وهي تتطلع للطريق من شباك السيارة، يجاورها رفاقها الاثنين وبالأمام نادر.
في توتر عندنا في البيت، صحيح أنتم مجتوش تفطروا معانا ليه؟
سألت بالنهاية توجه سؤالها لنادر وأحمد.
أجاب نادر قائلًا، قبل تغيير مجرى الحديث: عادي، تامر كلمني امبارح،
انقض عليه إياد من الخلف قائلًا: بجد، طب هو كويس؟ مكلمنيش خالص،
ثم تسائلا إياد وألماسة: هيجي إمتى؟!

أجاب بضيق وحزن دون أي طاقة: مش عارف، هو قال إنه مبسوط وإني أروحله.
تحرك أحمد إليه، متسائلًا: هتروح؟
هتف سريعًا قائلًا بنفي: لأ طبعًا عمري ما أبعد عن ماما، هو هيجي الفترة الجاية المفروض.

عمّ الصمت السيارة وكلٌ منهم يفكر فيما سيحدث بطريقته، ألماسة تتمنى لو كانت الحياة بنظرتها فيعم السلام، نادر يتمنى لو عاد بالزمن وأصلح زيجة أهله من بداية الأمر، أو أفسدها، أما أحمد فتمنى لو عاد هو وعائلته لبيتهم الصغير دون كل ذلك ورفقة ألماسة، وإياد صفن بالخارج يدور بذهنه ماذا لو ظل مع والده بفرنسا ولم يعد هو وأمه لمصر، لم يكن التقى بتامر أو نادر أو أحمد أو حتى ألماسة!

لو دخلت عقول هؤلاء ما ظننتهم أطفالًا...

عادت للمنزل وجدته ساكنًا، هادئًا، يعمه صمتًا مريبًا كصمت جوالها أو صمت زوجها، تحركت للأعلى حيث غرفتهما.
دخلت الغرفة، فانتبهت لخروجه من دورة المياه.
تطلعت إليه يرتدي بنطال من الجينز وجذعه العلوي عاري، شعره مبلل بشكل كان قد يبدو جميلًا، إلا أن ملامحه حزينة بشدة وخصلاته لم يكن يتركها هكذا يومًا، بل يصففها قبل خروجه من دورة المياه.

اقتربت منه وعلى ملامحها هلعًا، ترفع يدها تلامس وجنته هاتفة: مهند! مالك يا حبيبي؟!
لم يجيبها، فرفعت يدها الأخرى تضم وجنته تطلع لعيناه: كنت فين طول الليل ومش بترد عليا، أنت كويس؟
أطال التطلع بعيناها وهي لا تفهم معنى نظراته وصمته هذا، حتى ترقرقت الدموع بعيناه وغلفتها طبقة رقيقة، حينها احتل الغصة نبرتها نابسة: في إيه يا مهند، حد حصله حاجة؟! مهند!

نادته بنبرةٍ استحوذ عليها البكاء، حينها كان استعاد هو كل ما حدث، فبكى بشدة وقهرٍ.
بكت هي الأخرى بعدم فهم تضمه، وأفكار سودادوية تتدفق لعقلها، حتى هتف هو بأكحل من أفكارها: ماما عندها كانسر،
ارتخى جسدها كليًا ويدها ترخت على منكبيه تساند ذاتها، تتحدث بتلعثم شديد:
ماما مين! أ أنت أنت بتقول إيه؟!

اكتفى بالصمت والتتطلع إليها يؤكد ما وصل لسمعها، ضمته بشدة تدفنه وسط أحضانها وكأنها تُخفي عن مسامعه تلك الحقيقية القاسية...
وما كان ليرفع الرايات البيضاء يومًا ويستطرد في البكاء، إلا حينما وجدها، تلك الحبيبة التي أخذت ذلك المكان في أيامٍ قليلة، وأضحت بئر لضعفه وكانت هي دونًا عن البقية، محل ثقة وملجأ لا يخون.

مرّ شهرًا كاملًا كانت أمور الدولة مستقرة تقريبًا، وكأن الجميع احترم حُزن مهند، ذاك الحزن الذي جعله مشتت بدرجة كبيرة، رغم أن والدته صُنفت كمرحلة مبكرة يجوز العلاج بالأدوية معها ولا داعٍ لتدخل الكيماويات، لكن أي عقلٍ قد يدرك ذلك!
تمت الموافقة على قراري الأجازة الخاصة بليريا ونور وفي أقوالٍ أُخرى ألماس ونور.
هدّأَ عصام اللعب وأَجّل قرار العودة للاسكندرية قليلًا، حتى يرى كيف ستسير الأمور...

تحركت بين طرقات منزلها، حتى وصلت للحديقة الخلفية فتحركت بها بخطوات هادئة وقبل أن تبتعد استمعت لصوت صديقاتها تناديها: رايحة على فين يا ألماس؟
استدارت ألماس على صوت نورسين التي تأكل كعادتها، التي زادت في الأونة الأخيرة بحجة أنها تأكل لفردين:
مفيش بتمشى شوية،
أنهت حديثها بابتسامة، بادلته نورسين قائلة: نور جاية وهنسهر مع بعض،.

تحركت نورسين للداخل، في حين صدح رنين هاتف ألماس مُعلنًا عن رنين زوجها: وحشتني.
ضحك قائلًا: وأنتِ كمان يا ميمو وحشتيني، عاملة إيه أنتِ؟
الحمد لله يا حبيبي، متقلقش باكل ومش بعمل أي حركة غبية والله.
ضحك قائلًا وهو يركب سيارته مستعدًا لوجهته حيث حافة المدينة وبداية كل شيء له: شاطرة يا ميمو،
قاطعه صوت ابنته التي جذبت الهاتف من والدتها: وحشتني يا بابا.
حبيبة قلب بابا، وأنتِ كمان يا لولا.
هتيجي إمتى؟

نهاية الأسبوع.

دار بعيناه بين الثلاثة القابعين أمامه ورست عيناه عليها، هي تلك المتمردة التي أصرت على حضور الاجتماعات، دون الاهتمام للأجازة الخاصة بها.
ثم ابتسم قائلًا بعملية: الأيام الجاية هي نهاية كل شيء، ونهاية عصام وعلى حسب المعلومات اللي وصلت لمهند.
أماء مهند بثقل وهو يُحاول إفراغ عقله من مرض والدته.
فعصام هيوصل على نص الأسبوع الجاي، عصام أو الأفعى المرة دي عايز يضرب مش يقرص ودن خالص،.

نقل عيناه لسيف مسترسل: وعلى حسب ما وصل لسيف، فالأفعى ناوي يسلم البضاعة في شركة معروفة، وبدون عِلم أصحابها، عشان يبين للحكومة إنه كان في اجتماع عادي مع أصحاب الشركة دي.
تنفس بعمق ثم استرسل بهدوء يدور بينهم: والشركة هي شركة،.

شركة الأسيوطي، الفرع الرئيسي.
تطلع إليه كافة أعوانه بعد تلك الكلمات التي تشدق به، كانت نظراتهم للمشاهد وكأنهم رأوا مخلوق فضائي غريب، وقد كانت تلك المعلومة حول اسم الشركة هي أغرب شيء قد يخطر على البال.
ابتسم عصام «الأفعى» بهدوء ينهض من موضعه يُغلق زِرار بدلته، ثم خرج وتبعه مساعده «خلدون. ».

سار عصام ومن خلفه خلدون، حتى وصلا لغرفة المكتب الخاص به وفور ما أُغلق الباب، تسائل خلدون بشرود: ناوي على إيه يا باشا.
طالعه عصام بحاجب مرفوع ومنذ متى يسأل خلدون!
فأتاه رد الآخر وكأنه سمع السؤال: أنا عارف إني مليش أدخل، بس في حاجة بفكر فيها، لو حصلت،
ابتسم باتساع وهو يتجه لموقعه نابسًا بهدوء جعل الآخر يُصدم: بالظبط هو ده اللي هيحصل.

تحركت لشرفة الردهة تشم بعض الهواء، ويدها ترتكز على معدتها المنتفخة قليلًا تتذكر حديثها مع زوجها:
يا سيف أنا مش عايزة أجازة، صدقني الأجازة هتخنقني أكتر!
أجابها يتحرك باتجاه المرآة: ولا زهق ولا حاجة، وبعدين عشان ترتاحي وعيون بابا يكون مرتاح.
قال الأخيرة وهو يمسد على بطنها.
رفعت عيناها له مُردفة بضيق: افرض طلعت بنت؟!
ضمها إليه يُقبل جبينها مُردف: وماله بنت بنت.
يعني هتحبها؟

كان سؤالًا غريبًا، لكنه عذرها لهرموناتها الغير منتظمة، نابسًا بخفة وهو يبتعد، يستكمل ضبط هيئته: إيه العبث ده، أكيد، طالما بنتك.
ابتسمت بسعادة شديدة على طريقته، كيف طمأن خوفها ثم غازلها، عانقته من الخلف، نابسة بخفوت: أنا بحبك.
استدار يُعانقها نابسًا، وهو يمسد على خصلاتها: وأنا بحبك أنتِ وعيون بابا.
عادت من أفكارها وابتسامة بلهاء على ثغرها، فور ما اقتحم صوت ما خلوتها: إيه اللي واكل عقلك.

طالعتها بضيق، ثم تطالعت لمعدتها نابسة: عيون بابا وباباها.
تنفست نورسين بعمق، قائلة وهي تُطالع معدتها: العين والنن وباباه تعبني بس على قلبي زي العسل.
تسائلت نور متذكرة: صحيح قولتي لمهند إزاي؟ وحبيبة عاملة إيه؟
حبيبة الحمد لله لسه في الأول وبتتعالج بالدواء وإحنا بنحاول نكون جمبها، فده مظبط النفسية خاصةً بعد ما عرفت إني حامل.
وبدأت تخبرها عن ذالك اليوم...

خرج مهند من دورة المياه، فوجد نورسين جالسة على الفراش بابتسامة صغيرة، ثم نبست: صباح الخير.
ابتسم بإرهاق، فهو لم ينم إلا ساعات قليلة، ثم اقترب منها نابسًا: صباح النور.
طبع قبلة على وجنتها، ثم أردف: متنزليش الشغل انهارده يا حبيبتي، شكلك تعبان وكمان سهرانة معايا طول الليل.
حاضر يا حبيبي، بس ممكن تهتم بصحتك شوية.
قالتها وهي تراه يبتعد؛ ليُخرج ملابسه، ثم أضافت: أنا غيرت ترتيب اللبس.

تطلع إليها ثم نظر للملابس، فوجدها أخذت جمب وبقية المكان لأشياء بألوان لا يرتديها هو، لم يهتم وهو يُخرج بنطال ثم عاد للتيشرتات ليجد أول شيء فوقهم باللون الأخضر الباهت قليلًا...
كان صغير جدًا، وفور ما أمسكه اتضح أنه ملابس لصغير...
التفت يتطلع إليها لتبتسم تطلع لبطنها، ثم له ليهتف وهو يرى اقترابها:
أنتِ حامل؟

أماءت بابتسامة ولحظةٍ وكان يُعانقها بشدة يرفعها عن الأرض، صارخًا بسعادة: أنتِ حامل يا نورسين بجد!
امتلأت الغرفة بضحكاتها وهو يصرخ ويهتف بكلمات سعيدة لا تُسمع، يدور بها في المكان ويردد من كل حين للآخر بصوت واضح بالحمد لله.
تركها بعدما قبل وجنتها، يركض للخارج لإخبار والدته.
حينها كانت فرحة حبيبة لا تقل عن ابنها.

عادت من ذكرياتها وهما ينهضان، بعدما جلسا في الشرفة نهضتان يستمتعان مجددًا بالهواء، وهتف نور: يعني أنا عايزة أفهم، ألماس راحت فين؟!
لم تُجيبها نورسين، لتصرخ بها ضاربة يدها اليمنى: يا بنتي ردي عليا وسيبك من الأكل!
تنهدت بانزعاج شديد من تلك العلاقة، ثم هتفت: أنا مالي أنا، قالت هتخرج تشتري كام حاجة، إحنا مالنا؟!
نفست نور بانزعاج من نورسين، التي لا تبالي وتطلعت للخارج.
نور! نور، نور بصي.

أشارت لها على بوابة صغيرة حديدية موجودة بنهاية القصر، ومن خلفها ظهر ظل لدراجة نارية هبطت منها فتاة.

عند البوابة؛ ترجلت عن الدراجة، ثم استدارت له تقبل وجنته المُتخفية أسفل القناع: ما تدخل معايا!
قريب إن شاء الله.
وقفت أمامه بضيق شديد، ثم عانقته وابتعدت مُودعة إياه.
تطلعت نور لنورسين بدهشة مما رأته عيناهما، وابتعدا سريعًا عن الشرفة.
نورسين، قولي إني فاهمة غلط،
ابتلعت نورسين لُعابها بعدم استيعاب: أكيد غلط، ألماس صاحبتنا،.

دقائق من عدم الوعي، حتى ظهرت أمامهما ألماس توترت أنظار نورسين وهي تسمع ألماس تتحدث مقتربة منهما: مساء الخير.
طالعت نور ابتسامة ألماس بهدوء وتحكمت بأعصابها ثم ردت بابتسامة: مساء النور، عديتي على حبيبة؟
انتبهت ألماس أنها لم تمر على حبيبة تطمئن عليها، لذلك أردفت: لأ نسيت خالص، مش هي لسه هنا؟!
أماءت نورسين وهي تنتبه لرنين هاتفها: آه،
ثم أجابت على زوجها: أيوة يا مهند، خلاص نازلين دقيقة بس.

أغلقت وهي تسمع نور تُغلق هي الأخرى مع زوجها فأردفت: مهند تحت ومش هيقدر يدخل، فهنزل أنا بقا.
أيدتها نور تنهض هي الأخرى، تُتابعهما ألماس: وأنا كمان سيف تحت.
أردفت ألماس تتطلع لهما يأخذنا أشيائهما: بس إحنا لسه مقعدناش مع بعض!
رمقتها نور بجانب عيناها، ثم أردفت: أنتِ اللي مشيتي لما إحنا جينا، سلام.

طالعت أثرهما ولم تتبعهما، تتعجب ما حدث، فلطالما تركوا أزواجهم ينتظروا بالساعات ليقضوا وقتًا معًا، تُدرك خطأها لكنها لم تكن تترك اجتماع أبدًا...
أبدلت ثيابها ثم جلست على فراشها وسحبت هاتفها تكتب لزوجها: «وحشتني يا آسر.
هتيجي امتى! »
أغلقت هاتفها على دخول ابنتها، التي ركضت لأحضانها تسرد لها يومها.

نظر لهم ينتقل بين أوجههم الثلاثة، ينتظر دخول الرابع وفور ما دخل تلك المكالمة المرئية صرخ إياد بسعادة: تامر! وحشتني جدًا يا تامر.
ابتسم تامر مُردفًا: وأنت كمان يا إياد، كلكم وحشتوني،
ارتكزت عيناه عليها هي خصيصًا، ليتحدث نادر برجاء مبطن: هتيجي إمتى؟!
رفع عيناه يُفكر للحظات، ثم أجاب بملامح رفض: معتقدش إني هاجي تاني، أنا خلاص هستقر مع بابا يا نادر، وقدمت في نادي هنا برضو.

كان ذاك الخبر كالصاعقة عليهم، لم يخيل لأحدهم أن يقرر هذا فعليًا، فتحمحمت ألماسة قائلة: ليه يا تامر بس؟ ده إحنا بنحبك مش عايز تشوفنا؟
صمت لبرهةٍ، ثم أردف: ما أنا بشوفكم أهو. »
تامر بلاش سخافة، إحنا عايزينك معانا.
أردفها أحمد بحدة ينهي الحديث الغير واضح بين الجهتين.
كاد يُجيب، لكن قاطعه دخول خلدون، يهتف: عصام باشا بيبلغك إنكم هتتعشوا بره، يلا؟

تحرك تامر بعيناه بين خلدون والمكالمة المرئية، ثم أردف لأصدقائه كي يهرب منهم: هكلمكم مرة تانية، سلام.
خرج من المكالمة وتبقى الآخرين، حتى أردف أحمد: قوموا يلا نجهز عشان معاد التمرين.
ونهض يتركهم، ثم نادر وتبقت ألماسة وإياد من هاتفه.
متزعلش يا إياد، إن شاء الله يجي قريب.
إن شاء الله،
كالبلسم أينما وُضعت طاب الموضع، كما طاب قلبي حينما حلت به.

مرّ يومين وتكررت فيهم عدم جلوس ألماس مع نور ونورسين بسبب خروجها.
نورسين أنا هكلم سيف، هو يكلم ألماس.
تركت نورسين الطعام من يدها، قائلة: يكلمها في إيه، أنتِ عبيطة، وليه سيف مش إحنا،
عشان سيف ومهند يعرفوا عنها أكتر، وممكن يكون إحنا فاهمين غلط.
تنفست نورسين بعمق، ثم أردفت: ملناش دعوة يا نور، أحسن ما نبوظ حياة صاحبتنا،.

تطلعت إليها بعدم فهم انمحى بعد لحظات، مستوعبة فهتفت: لأ ثانية أنتِ دماغك راحت فين! أنا عايزة أطمن إن محدش مثلا بيهددها أو حاجة،
طالت النظرات وقاطعتها نور بانسحابها من المجلس متجه لمكتب سيف، حيث يجتمع بمهند وتبعتها نورسين، كي لا يسيء الوضع.

وبمكتب في الدور الأول حيث ممر المكاتب، كان مكتب سيف وككل المكاتب بذلك المنزل تتمتاز بالألوان الرمادية والإضاءة الخافتة، حتى أنك قد لا تستطع رؤية من بالغرفة من قلة الإضاءات المُشعلة.
كان المكتب مقابل الباب وعن يمينه شرفة كبيرة، يليها أريكة صغيرة تجعلك قريب من المكتب، وعن يساره بعض الأرائك وإضاءة أقل من خافتة حتى.

نقل سيف عيناه عن الشرفة يتطلع لمهند بابتسامة، أدت لضحك الآخر هاتفًا: معلش كلها أيام وبإذن الله الأمور تتحسن.
عاد برأسه للخلف متحدث بخفوت: يا ريت، يا ريت عشان الواحد زهق،
نهض مهند من مجلسه، يجلس على يمين سيف على تلك الأريكة القريبة من المكتب يستند برأسه هو الآخر للخلف يُحاول ترتيب أموره بعقله.
تشدق سيف وهو على وضعه، متسائلًا: حبيبة عاملة إيه انهارده؟

لم يتحرك مهند من موضعه، لكنه أجاب بهدوء وثقل: الحمد لله، أنتم معزومين على العشاء أصلًا.
قاطعهم طرقات الباب، فتحدث سيف بإذن الدخول، فطلت نور من خلفه وكأنها جلبت الراحة على قلب زوجها الذي اعتدل بجذعه وابتسم يُتابعها تقترب من مكتبه.

تبعتها بالدخول نورسين تبحث بعيناها عن زوجها الذي اعتدل هو الآخر، وفور ما لمحها ابتسم ينتظر أن تنتبه له كي يُطمئنها، وقد حدث فور ما التقت عيناها به ابتسمت مطمئنة واتجهت تجلس على المقعد المقابل لنور أمام مكتب سيف.
نقل سيف عيناه بينهما ومهند يُتابع من بعيد، يُتابع نورسين التي بدأت تخجل من تطلعه الزائد بها.
أنتِ كويسة يا نور؟
تسائل سيف، فأردفت نور بتسائل مباشرة دون مراوغة: السؤال، ألماس كويسة؟

عقد حاجبيه بعدم فهم، وكذلك مهند الذي تسائل: مالها ألماس؟!
تحمحمت نورسين متدخلة بالحوار، كي لا تُثير قلقهم كما تفعل نور بدورها: مفيش إحنا بس قلقانين عليها وقولنا نسألكم، آسر كويس؟
وتشدقت نور مجددًا: هو راجع إمتى؟ كويس ولا حد عمل فيه حاجه وريحنا منه؟
نور!
هتفتها نورسين بدهشة من قول الأخرى، فتحدث نور بلا مبالاة:.

يعني هو والأفعى خلصوا على بعض ولا لسه، أصل بصراحة يعني ألماس بتخرج بليل من البوابة الخلفية في الدِرَا (الخفاء) وترجع برضو كده، فقلقنا يكون حد مهددها ولا حاجه.
صمتت للحظة واستكملت: إحنا سألناها بس ردها كان بشتري حاجات، بتمشى، وهكذا كذب يعني، فقولنا البت دي عاملة مصيبة أو هتعمل أو جوزها مات،
ثم نقلت نظرها لنورسين، متسائلة: صح يا نورسين.

أطالت النظر بنورسين تنتظر ردها، ولكن لا رد فقط ساهية بالمكان من خلفها.
هتفت نور بنورسين تحثها على الإجابة: نورسين!
واستدارت أثناء صراخها: سيبك من مهن،
والتفت لترى على مقدمة الشرفة من؟
ألماس جوارها آسر يتطلع لها بتساؤل، ويبدو أنها أفسدت الأجواء، يبدو.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة