رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل السادس والعشرون
تقدمت نورسين من ألماس وابنتها في غرفة ألماسة الذي تذاكر بها قائلة: “صحيح يا ألماس أنت ليه مش بتلبسي أنت ولولا زي بعض وتتصوروا ونعملكم ألبوم. ”
نظرت لها ألماس بضيق فهي مشغولة بالواجبات المنزلية لألماسة بشكل ظاهري وشكل آخر دهاليز عقلها مشغولة بأكثر من شيء لتقول: “مش وقتك يا نورسين بالله دماغي بتفكر في مليون شيء. ”.
هتف ألماسة تقاطعها بحماس لتلك الفكرة: “أيوة يا ماما تعالي نعمل كده. ”
ضحكت ألماس وهي تحضن ابنتها: “لو أنت عايزة كده أنا موافقة، بس ممكن بقى نخلص واجبنا؟ ”
أماءت بسعادة تعود للكتابة تحت إشراف والدتها.
“الغريب هو محور الصفقة. ”
قالها آسر وهو يعود بظهره للخلف بتعب من جل الوقت الذي مضى بالتفكير فقط.
انتبه الجميع له ورددت نور بخفوت: “الغريب! ”.
أردف سيف بعدم فهم فما دخل ماجد الغريب بما يحدث: “اشمعنا أو ليه من الأساس؟! ”
أردف آسر بابتسامة وهو يمسك الأوراق لطالما حظى برفقة ماجد وغيره من أصحاب الفساد الآن لذلك يسهل عليه معرفة ما يدور بدهاليز عقولهم وإفساده: “أنا وماجد كنا أصحاب في فترة الكلية وما بعدها وقبل كده اتكلمنا في لوجو لشركاتنا أو إمضاء خاص بينا، وأنا اللي كنت بفكر في شكل الإمضاء ”.
تحدث مهند بعدم فهم بعدما ترك آسر الحوار معلق ولم يكمل: “أيوة برضوا مفهمتش عرفت منين؟! ”
تنهد آسر مكملًا حديثه وقد ظن أن أحدهم رأى ما رآه: “تحت اسم الأفعى مكتوب اللوجو بتاع ماجد. ”
سحبت نور الورق من يد آسر سريعًا تبحث عن ذلك الإمضاء الذي لم تراه وبالفعل وجدته بخطٍ صغير.
استرسل آسر حديثه وهو يسحب ورقة بيضاء يرسم الإمضاء الخاص بماجد بشكل أكبر كي يراه الجميع.
كان بهذا الشكل“MGD” بالإضافة لوجود علامة بالعرض بالجزء الثاني من حرف الM كعلامة حرف الA.
أردف آسر بهدوء وابتسامة تزين ثغره يسألهم: “فهمتوا ليه؟ ”
عادة نور للخلف وهي تمسك رأسها وتفرغ فاهها ثم هتفت بإعجابٍ لعقله: “دماغك! ”
ثم أكملت بابتسامة: “تفكيرك هايل حقيقي و ألماظات بجد، برافو آسر أنا، أنا عايزة أتعلم من حضرتك. ”.
ضحك الثلاثة عليها فهي أول مرة تتعامل مع آسر في إطار العمل وليس المواضيع العامة.
تحدث آسر بذات الهدوء والثبات مبررًا تفكيره ذلك: “بصراحة لا ألماظات ولا غيره لكن لما قرأت العقد كان في سلاح. ”
“وأشهر حد في مجال السلاح هو ماجد ولما كنت في ألمانيا عرفت إنه اتقبض عليه. ”
“وبعد التفكير قلت أجرب أمشي الأمور بدماغ ماجد فالدنيا مشيت ولقيت توقيعه. ”.
ابتسم سيف قائلًا وهو يشعر بفخر اتجاه أخيه الكبير: “أنا شوفت التوقيع بس فكرته شخبطة ومعرفتش أقرأ فطنشت. ”
مينفعش تطنش أي شيء في العقود عشان كل حاجة وراها سبب،
قالها آسر ليستقبل سيف حديثه بإيماءات وكأنها أوامر وهي بالفعل كذلك ثم أردف: “عمومًا ماجد مش هيمضي كده إلا لو مش مطمن. ”.
هز مهند رأسه بتفهم لكل ذلك لكنه نهض قائلًا بملل وتعب من كثرة الجلوس والتفكير: “شابو يا شباب ليكم بجد، بس أنا ماشي. ”
ضحك سيف وهو يلحق به قائلًا: “استنى ياض خدني معاك. ”
نهض آسر أيضًا وقال قبل أن يرحل موجهًا حديثه لنور: “أمشي ورا قلبك يا نور، كده كده خربانة وسيف مش هيسيبك إلا، لو في سبب قوي. ”.
ثم همس بنبرة خافتة لم تصل لها فهو يعلم الإصرار المتواصل بين عائلته من أبيه حتى أخيه وابنته: زي الموت مثلًا!
وفي ذلك البيت الصغير تقدم أحمد من والده وجلس جواره ليرفع مالك عيناه عن الحاسوب الخاص به.
“بابا أنا جعان. ”
قالها أحمد وهو ينظر لوالده.
أردف مالك وهو يغلق حاسوبه: “عايز تاكل إيه يا حمود وأنا أعملهولك. ”.
تحدث بحماس طفلٍ قد رأى وصفة جديدة ويود تجريبها الآن: “لأ أنا اللي هعمل الأكل وأنت هتساعدني بدل ما أصحي ماما. ”
نظر لابنه بدهشة وهو ينهض ويشير له بالنهوض قائلًا: “يلا يا بابا نعمل الأكل. ”
تبعه بدهشة وقليل من الخوف من أن يفسدوا المطبخ ل ملاكه.
دخلوا إلى المطبخ وبدأ أحمد يُخبر أباه ماذا سيفعل.
“هنجيب العيش الفينو اللي أنا غضبت عليه ومأكلتوش الصبح. ”.
ضحك والده عقب كلامه ليسمعه يُكمل حديثه بوجه خالي من التعابير وباهتمام يُكمل وصفته.
“وبعدين نجيب الجبنة الشيدر الجميلة اللي أنا أكلت نصها حاف وماما زعقت. ”
صدرت ضحكات مالك مجددًا قائلًا: “يا ولا ما شاء الله عارف بلاويك. ”
“وبعدين نجيب الجبنة الرومي اللي مبحبهاش. ”.
كان يقولها وهو يسحب طبق الجبنة الرومي من الثلاجة وكان شبه فارغ لينظر له مالك بسخرية متشدقًا: “والله؟ ”
“تقريبًا عندنا فيران. ”
قالها وهو يضع الطبق جانبًا متجاهلًا نفاذ معظم الكمية مكملًا: “وأخيرًا وليس أخرًا الجبنة الموزدريلا والزيتون. ”.
وبدأ بإعداد تلك السندوتشات بمساعدة والده وحينما انتهوا، هتف مالك بسخرية: “هو أنا كنت جاي أساعدك يا شيف شربيني عشان تعمل سندوتشات جبنة؟! ”
تحدث أحمد وهو يكمل وصفته وينظر لزاوية في المطبخ وكأنه يحدث كاميرا ما: “وبعدين يا ست الكل نحط السندوتشات في المايكرويف عشان يسيح وفاصل ونواصل. ”
ثم نظر لأبيه بضيق: “مش قدام الناس يا بابا! ”.
تحدث مالك بريبة من كلام ابنه: ”أحمد أنت كويس يا حبيبي، بطل تقعد مع أمك كتير. ”
ضحك أحمد على والده وهو يتركه ويرحل قائلًا: “حط السندوتشات في المايكرويف يا ملوك. ”
“عيل ما اترباش. ”
صدحت من مالك بصوت مرتفع ليصل لابنه.
صدح صوت طابور الصباح ليركض الطلاب باتجاه الساحة وبداخل مبنى المدرسة كان يتحدث المعلمين والمعلمات.
أردفت علياء بضيق: “مدرسة الأيتام اللي في الشارع التاني جرسهم عالي بطريقة أو ر. ”
أردف أمير وهو يتذكر حديثه مع تلك المدرسة الخاصة بدار الأيتام القريب منهم: “ما إحنا كلمناهم أكتر من مره وبالفعل وطو الصوت وخلو الأصوات داخلية. ”.
“بس الصوت لسه ظاهر يا أستاذ أمير وكل ما نيجي نتكلم أو نقول هنرفع قضية أستاذة ألماس بتدخل وترفض وتقول ميكونوش يتامى ومدرسين متبرعين ونقعد نمرمطهم، وأهي مشيت وسابتنا في الهم ده. ”
تدخلت معلمة أخرى تُدعى زينة بهدوء تلومهم بحدة طفيفة: “لو سمحتم يا أساتذة مينفعش كده مش كل شوية نتخانق بسبب الحوار ده وخاصةً إن بكلامكم ده قصاد الطلبة هيكرهوا بعض ويعايروا بعض كمان. ”.
أردف أمير بسخرية: “ويا ترى يا أستاذة زينة أنت تعرفي إن الطلاب بتوعهم لما يطلعوا الثانوي هيتنقلوا المدرسة هنا وبالمجان؟! ”
تحدثت بعنف من نبرته الساخرة وبانفعال: “لو سمحت يا أستاذ أمير بلاش السخرية اللي بتتكلم بيها دي بالإضافة إني أه عارفة وموافقة إنهم يتعلموا هنا وبالمجان. ”.
وتركتهم ورحلت ف أمير وعلياء من أكثر الأساتذة حدة ويفتعلون المشاكل كثيرًا بسبب مدرسة الأيتام بالشارع الآخر.
ابتدت الفترة الأولى وكل طالب بفصله والابتسامات تتناقل بين الطلاب وهم يجلسون.
دخلت علياء الفصل وكان فصل ألماسة، كان الغضب يسيطر عليها بسبب أشياء كثيرة يقابلها المعلمون.
بدأت بالحديث بانفعال مع الطلب حتى صرخت بهم وهم يخبروها أن الكتب الإضافية لم يستلموها بعد: أنتم أغبية ولا متخلفين!
نظرت للسبور تكتب العنوان لتستمع لهمهات الأطفال فتصرخ بهم: أنتم ولاد ولا إيه، أهلكم مش عارفين يربوكم.
وقف نادر بهدوء معترضًا على حديثها متشدقًا: بعد إذنك مينفعش تشتمينا بأهلنا.
علت الهمهات تشارك نادر الاعتراض وبخلال لحظات، حل الصمت فجأة أثر صفعها لأحد الطلاب تزامنًا مع وقوف أحمد وتامر وألماسة بصدمة مما حدث لأخيهم ورفيقهم نادر.
تحدث أحمد بانفعال وهو يترك مقعده ويتجه حيث تقف المعلمة: “حضرتك بتضربيه ليه، نادر مغلطش! ”
أجابت بانفعال الأخرى: “وأنت بقى هتحاسيبني؟! ”.
كاد يجيب لتدخل ألماسة بهدوء تُحاول تهدأت الوضع: “أحمد ميقصدش كده لكن المقصد إن نادر مغلطش وبما إنه مغلطش ده ميديش الحق لحضرتك بضربه بالقلم! ”
“أنا هكلم بابا وهو مش هيسكت أبدًا. ”
كانت كلمات تامر وهو يترك الفصل، وتبعه البقية بعدما أردفت علياء بحدة لثلاثة المتبقيين: بره!
تجمع الثلاث بعدما تفرقوا لطلب المساعدة و وقفوا أمام غرفة الأخصائية الإجتماعية وكان نادر يجلس بصمت.
اقترب تامر من نادر وجلس جواره ثم رفع رأسه بحنان يلامس وجنته المتورمة.
“أنت كويس يا ندور. ”
هز رأسه والدموع بعيناه ليتحدث أحمد: “عملتوا إيه؟! ”
أردفت ألماسة بقلة حيلة: كلمنا ماما وعندها شغل ومعرفناش نوصلها هي وعمو عصام مسافر أصلًا. ”
تحدث وهو ينظر لهم بحيرة: “طب ممكن اتكلم منين وأنا أكلم بابا؟! ”.
وبعد نصف ساعة كان نادر بمكتب الأخصائية والبقية بالخارج حتى جاء مالك.
أردف وهو يتقدم من ابنه وأصدقائه: “أحمد ”
تقدم منه أحمد سريعًا وهو يفصح له عن ما حدث “بابا بابا المس شتمتنا بأهلنا وقالت إن أمهاتنا فشلت في تربيتنا وكلام كتير كده. ”
صمت ثم استرسل: “نادر وقف وقلها باحترام والله إنه مينفعش تشتمنا بأهلنا ف ضربته بالقلم ولما وقفنا نعترض طردتنا. ”.
تقدمت ألماسة قائلة: “وللأسف عمو مش موجود عشان يجي وماما في شغلها التاني فاضطرينا نكلم حضرتك. ”
أضاف تامر وهو يتقدم هو الآخر منهم: “شكرًا لحضرتك. ”
اكتفى بابتسامة وهو يشعر بالدِماء تغلي بين أوردته ليطرق باب مكتب الأخصائية.
طرقت الباب طرقات خفيفة ودخلت المكتب بابتسامة تتقدم من مجلسه على مكتبه ثم أردفت.
“السلام عليكم، مهند قالي إن في اجتماع وأني أجي الشركة هنا وبكلم ألماس مش بترد. ”
أشار لها آسر بالجلوس وهو يقول: “وعليكم السلام، خلاص قررتي تنزل الشركة معانا؟ ”
جلست نورسين وأماءت وقبل الحديث طرق الباب طرقات شبه عنيفة ثم دخلت ألماس.
دخلت ألماس هاتفة بحماس: “أنا جيت. ”
تقدمت منهم بضحكة ثم نظرت لنورسين وهي تضيق عيناها هاتفة بحنق: “بيت ياسر حلو؟ ”.
ضحكت نورسين على غيرة رفيقتها وضيقها من رحيلها هي ونور مع ياسر.
ثم نهضت واحتضنتها قائلة: “مفيش أحلى من الشقة اللي اتقابلنا واتجمعنا فيها أنا وأنتِ ونور. ”
ضربتها ألماس على ذراعها: “كلي بعقلي حلاوة يا نورسين، ماشي. ”
كان يجلس آسر على مكتبه يتابع عمله وعلى بعد منه نورسين وألماس كانتا يتشاركان الأحاديث حتى نهضت ألماس متجه لآسر هاتفة بضيق:.
“فين مهند يا آسر بقالنا ساعة! ”
كان يتحرك بسيارته بهدوء وهو يرى تلك السيارة خلفه منذ خرج من طريق المنزل، ويتحدث مع سيف ونور
“
يا بنتي احمدي ربنا إنه لسه متمسك بيكِ! ”
نظرة نور لسيف الجالس جوارها بقليل من التوتر اجتاح صدرها ليهز رأسه بالرفض قائلًا: “سيبك منه أنا على قلبك طول العمر. ”
“يا حنين. ”
صدرت من مهند بسخرية.
سبه سيف بسره ثم قال: “يعني لو نورسين كانت هي اللي عملت فيك كده كنت هتسيبها يا مهند؟ ”
صدر صوت مهند بقوة مستنكرًا: “لأ طبعًا. ”
ليأتي دور سخرية سيف من مهند قائلًا: “يا حنين”
ضحك مهند وهو يمسك هاتفه مردفًا: “طب سلام دلوقتي هخلص حوار كده وأكلمكم. ”
أغلق الهاتف وهو يُسرع سيارته ثم استدار فجأةً وأخرج سلاحه يطلق على عجلات السيارة التابعة له.
وسط حركة السيارة الأخرى العشوائية تحرك هو بالسيارة مستدير ليُكمل طريقه يراقب السيارة حتى انقلبت منفجرة ليبتسم بهدوء
ليه بتخرجوا من جوايا مهند الشرير؟!
أنهى حديثه ضاحكًا بسخرية وهو يُكمل طريقه حيث شركة الأسيوطي الرئيسية.
وبحجرة المديرة كان يتحدث بانفعال شديد بعدما رأى وجنت نادر المتورمة أثر صفعة علياء: “إزاي تسمحوا لمدرسين بالتخلف ده بالتدريس في مدرسة محترمة زي دي، ده استهتار وأنا هقدم في الهانم اللي عملت في ابني كده شكوى وأبقوا قابلوني لو فضلت يوم تاني في المدرسة دي. ”
تدخلت المديرة بقلق من لهجة مالك فيبدوا أنه شخص ذو سلطة: “أستاذ مالك أرجوك أهدى وكل حاجة هتتحل. ”.
“ونفسية ابني وشكله وسط زمايله بعد ما أضرب قدامهم كلهم؟! ”
كان يشعر بضيق لما حدث لذلك الصغير والذي يبدوا أنه ليس من هؤلاء الطلاب قليلي الأدب ويخاف بشدة على مشاعره فهي لم تضربه ضربةً عادية بل كانت صفعة وهؤلاء الأولاد أبناء الطبقة الاستقراطية أكثرهم متنمرين فقط بسبب رفاهيتهم!
أردفت الأخصائية وكانت زينة، أردفت محاولة امتصاص غضبه فهي أيضًا لم يُعجبها صفع صغير ك نادر: “أستاذ مالك لو سمحت اهدى أنا عارفة كويس سلوك نادر وأنه طالب متميز وخلوق ومش عارفة ليه علياء عملت كده لكن أنا هخليها تعتذر لنادر قدام الفصل كله. ”
ثم استرسلت بود “بلاش مذكرة وقطع أرزاق ”.
وبالفرع الرئيسي لشركات الأسيوطي كانت تجلس على مقربة منه تكرر حديثها للمرة التي لا تعلم عددها بقلق: “أنت كويس بجد يا مهند؟! ”
رفع رأسه بابتسامة تغلبت على تلك الأوضاع وقال: “الحمد لله أنا كويس مفيش فيَّ حاجة والله. ”
أردفت ألماس وهي تجلس على ذراع مقعد زوجها: “معرفتش هما مين؟! ”
“مركزتش فككم يا جماعة خلينا نركز في شغلنا. ”.
أردفت الماس بدهشة: “نفكنا! ”
قاطعها آسر مردفًا: “خلاص يا ألماس، نركز في شغلنا ”
ثم أكمل بعملية متجاهلًا تلك الحادث فبالتأكيد الغريب خلفها: “مهند في ورق ناقص من صفقة M. G Group”
عقد حاجبيه بعدم فهم مردفًا: “إزاي يعني؟! ”
“يوم ما ياسر رجع من السفر أنت ادتني الورق وأنا مكنتش راجعته ولما راجعته لقيت ورق العقد ضايع. ”.
أردف مهند سريعًا يُبرر وضعه: “لأ استحاله الورق أنا كنت شايلة في عربيتي وبعدين جبتهولك على طول
وبعد اعتذار علياء خرجت زينة لتأتي بضيافة لمالك كشكر على تنازله عن رفع شكوى ضد علياء، واجتمع الأطفال مع مالك...
ابتسم مالك وهو يحتضن نادر: “أنا آسفة بالنيابة عنها وعن كل حاجة وحشة يا نادر. ”
ثم أبعده متسائلًا: “مش نادر برضوا؟ ”.
أماء نادر بابتسامة مردفًا: “أيوة، نادر عصام الشمراني ”
تحدث أحمد مفسرًا: “بابا، نادر وتامر أخوات. ”
مرت الأيام سريعًا بما تحمله من ذكريات تتدفق يومًا بعد يوم محاصرة الجميع.
وبصباح الأربعاء حيث الجميع مشغول بالتحضير والتدريب لغد، وبقاعة الإجتماعات كانت الأجواء مشتعلة.
أردف سيف بنفاذ الصبر: أنا مروح إحنا بقالنا 12 ساعة بنفكر إزاي هنعدي بدون ما حد يحس.
صمت ثم أكمل بضيق: طب ما يحسوا ونقتلهم وخلاص إيه الحوارات دي.
أنهى حديثه وهو يترك الغرفة ويتجه للخارج قاصد الخروج من المبنى وهو يسمع صراخ نور: استنى خدني معاك.
ثم نظرة للبقية: سلام نتقابل بكره متنسوش ترتاحوا كويس.
كانت تجلس بسيارته تنتظر أن يأتي بالطعام لهما لترى سيارة تصف جوارها بها شاب وفتاة، وبدون قصد وصل لمسامعها حديثهما: هتسافر امتى انهاردة؟!
الساعة 3 الفجر المكروباص هيتحرك.
ربنا معاك، مع أول فرصة تعرف تكلمني فيها كلمني هستنى مكالمتك متنساش!
“إن شاء الله تكون سنة خفيفة وأرجع لعيونك بسرعة. ”
ابتسمت وهي تردف: “يلا نتصور للذكرى الحلوة يا أجمل ذكرى! ”
“يا أجمل ذكرى! ”
هكذا رددت نور حتى جاء سيف ليلاحظ شرودها مع السيارة المجاورة ليتشدق بضيق: “الأكل أهو.
“شكرًا”
كانت إجابة مختصرة بالنسبة له ليتحرك اتجاه البحر.
“تعرفيه ”
قالها بنبرة هامسة وصلت لنور بكل وضوح.
أجابت بدهشة وهي ترى ملامح الضيق على وجهه: “مين ده؟ ”
“الشاب اللي كان في العربية اللي جمبنا. ”
ضحكت على تفكيره وهي تهز رأسها: “لأ فهمت غلط خالص. ”
عمّ الصمت بالمكان لتقطعه نور تلك المرة: “تيجي نتصور. ”
صمتت بحرج ثم استرسلت سريعًا مفسرة: “للذكرى، ”
“للذكرى! ”.
قالها بدهشة عاقدًا حاجبيه.
أردفت مفسرة مجددًا: “يعني عشان لو مُت بكره ”
ذُهل من قولها هذا ليردف وهو يشعر بضيق بصدره أثر فقط الكلمة ما بالُك إن حدثت بالفعل!
“نور! متقوليش كده تاني فال الله ولا فالك. ”
“الموت علينا حق. ”
قالتها بهدوء.
“أفديكي بروحي يا نور ولا يمسك شيء ”
ابتسمت وهي تلتمس اعترافه لكن تلك المرة قالها بطريقة غير مباشرة.
أخرجها من تلك السحابة الوردية التي أحاطت ذاتها بها
“يلا نتصور صور للذكرى وعشان لو مُتِ أبقى أفتكرك ”
أنهى كلماته بضحكة خفيفة لتلكمه بذراعه هاتفة بغضب: “إيه! هو أنا قاعدة على قلبك؟! ”
أجاب بسلاسة وهدوء وابتسامة زينة ثغره: “لا وأنتِ الصادقة في قلبي. ”
صُبغت وجنتاها بذلك اللون الوردي المحبب له رغم أنه يظهر نادرًا إلا أنه يحبه.
أفاقها مِن رغبة انشقاق الأرض وابتلاعها نظراته اتجاه هاتفها بمعنى هيا لنلتقط الصور.
كانت صور في البداية لشخصان نضجان وبعد دقائق تبخرت صبغة وجنتها وانقلبت الصور لمصدرٍ للجنون.
ابتسامات صادقة، قهقهات تعلو بالأجواء ومرح عمّ المكان وهناك صوت داخلي لكل منهما يُقسم أنه استسلم ورافع شتى رايات الحب، فهل سيدركان ذلك الصوت قبل فوات الأوان؟!
كانت نورسين تفحص سجلات الكاميرات حتى وصلت لشيء، لتركض سريعًا حيث يجلس آسر وألماس طارقة الباب بدون انتظار للرد ودخلت: “عامل النظافة اللي استقال يوم ما عمو ياسر جه أو بعده بمدة بحجة شغل أفضل هو اللي دخل المكتب. ”
كانت تتحدث بسرعة من دون إعطاء فرصة لشخص بالتحدث وبعدما أنهت الحديث
أردفت ألماس بهدوء: “تاني وبراحة عشان متضربيش. ”.
نظرت لها بضيق ثم تقدمت تجلس وهي تروي لهما أن هناك مقطع كان محذوف بالسجلات لكن لا يعلم أحد أن هناك نسختان من تلك السجلات
كان في نسخة محذوفة والثانية بتحتاج خطوات وأكثر من كلمة سر للحذف والشخص اللي حذف السجلات مكنش يعرف كده لأن بيظهر للحاذف بأن الفيديو اتحذف بالفعل. ”.
صمتت تأخذ أنفاسها مجددًا ثم أكملت: “وبس كده لقيت إن العامل هو اللي سرق، وفي نفس الوقت لقيت سكرتيرة مهند مصورة كل الصفقات ولاقيت نسخ من الورق المفقود ”
تحدث آسر بكلمات قليلة: “ورق الشرط الجزائي صح؟ ”
أماءت نورسين ليفكر كلًا منهم لما تفعل شركة M. G فعل مثل ذلك حتى وإن كانوا لن يسلموا الطلبات والخامات أو يمروا بمأزق إفلاس فلِما لم يخبرو آسر فهو رفيقهم منذ مسك شركات والده؟!
“نقدم بلاغ؟ ”
أردفت بها ألماس وهي تنظر لآسر لينفي قائلًا: “حددي معاد معاهم انهارده واطلبي مهند يا نورسين بعد ما يحددوا المعاد المناسب. ”
“لو تعارض معادهم مع أي معاد إلغي امعاد الأساسي يا ألماس واعتذري للناس عشان الموضوع ده لازم يخلص
أماءت كلًا منهما واتجهتا لتنفيذ ما أمرهما آسر به.
حدث آسر ذاته قائلًا: “لازم نخلص الوضوع ده انهارده عشان مهند عنده مهمة ولازم أخلص كل المشاكل عشان عصام مواجهته بعد أشهر وده عايزله واقفة لواحده. ”
كان يجلس آسر تجاوره ألماس ويليهما مهند، يقابلهما مالكُ الشركة وهو صديق قديم وبعد شرح ما حدث
هتف المالك المدعو ب خالد: “
أنا حقيقي مليش يد في السرقة دي يا آسر باشا لكن الواضح إنه قاصد يحبسني أو ”.
أكمل آسر وقد فهم مقصده: “يبوظ علاقتنا وده هيضعف الشركات لأن في عقود كتير مضينها مع بعض. ”
“بالظبط. ”
هتف بها خالد وهو مالك الشركة.
نظر مهند بساعته هاتفًا: “طب ممكن نمضي العقود تاني بسرعة عشان أنا لازم أمشي. ”
ثم استرسل: “إحنا بنثق فيك أكيد، لكن مبنثقش في الورثى. ”.
ضحك الجميع فعلاقتهم بالمالك الحالي حسِنة على عكس بقيت الملاك أو الورثى فبينهم مشاكل وهم لا يضمنوا العمر
بمكاتب المحاسبات خاصة مكتب مديرهم كان يجلس مالك.
كان جالسًا يفكر هل يُخبر زوجته أم لا، هل حقًا اقترب من حافة النهاية أم أنها مجرد البداية أم ماذا؟!
ظلت تتوالى الأسئلة بعقله حتى طُرق الباب ودخل السكرتير الخاص بخالد: “أستاذ مالك المستر خالد عايزك. ”.
أفاق من أوهامه ليتلوا عليه السكرتير ذات الكلمات مجددًا ليردف: “خير في حاجة؟ ”
“المالكين لشركات الأسيوطي وآل المجد موجودين وعايزين يشوفوا ميزانية العقد الجديد. ”
دُهش مالك مُردفًا: “هو بينا وبين الأسيوطي والمجد تعامل؟ ”.
ضحك وهو يجلس فمن الواضح أن الحديث سيطول وبدأ الحديث مُتخليًا عن الرسميات فهم رِفاق: “من زمان يا مالك ده بينهم عقود من أيام رأفت باشا المالك الكبير للأسيوطي أيام ما والد خالد باشا هو اللي كان ماسك. ”
ثم استرسل: “وجايين انهارده يعيدوا إمضاء عقد اتسرق منه الشرط الجزائي والعقد ده كان ممضي أول يوم أستاذ آسر وأستاذ خالد مسكوا فيه الشغل يعني قديم من قبل ما تشتغل معانا. ”.
بعدما حكى له أكثر تحجج مالك بأنه مرهق وسيسد محله السكرتير وطاقم العمل الخاص به ورحل...
“هتقضوا الWeek end فين؟ ”
هتف بها نادر وهو يجلس وسط تامر وأحمد وأمامهم ألماسة.
“Lady first. ”
قال أحمد وهو يشير لألماسة.
ابتسمت ألماسة قائلة: “هودع أعمامي عشان نازلين مهمة والجو هيكون متوتر فمش هنعمل أي حاجة. ”
كان يمينها أحمد فأردف بعدما أشارت له بمعنى دورك: “هنتجمع بليل أنا وماما وبابا نتفق على برنامج الأسبوع الجديد، هنتخانق، هنتفرج على فيلم. ”.
تلاه نادر: “هرسم وأقرأ بس. ”
ليردف تامر: “التلفون بيعوض كتير. ”
قال أحمد بدهشة من علاقة هذا الثنائي: “بصراحة أنتم يعني تامر ونادر أخوات فإزاي متلعبوش ولا ليه مش بتتجمعوا أنتم التلاتة؟! ”
صدح جرس إنهاء فترة الراحة لينهضوا وبداخل كلٌ منهم تساؤولات.
بداخل أحمد تساؤولات وأمنيات بأن يملك أخ أو رفاق سكن.
أما تامر فلا يبالي كعادته وعن نادر فقد تساءل كثيرً لما فعلًا؟!
وظل سؤال أحمد يجوب بدهاليز عقل ألماسة.
حلّ اليلل وانتهى كل شيء كإمضاء العقود وتبقى عقل مالك مشوش.
بقصر الأسيوطي اجتمع الجميع بدون نور التي فضلت الراحة.
أردف سيف بعدما حضر من الخارج هو وياسر: “تفتكروا ممكن حد يتصاب بكرة؟ ”
انتبه له الجميع بدهشة لتردف ألماس: “في إيه يا سيف، تفائلوا بالخير تجدوه. ”
هتف مهند بتذمر من حديث رفيقه: “مش هيستريح غير لما نموت. ”.
زفر سيف بضيق من تلك الأجواء فبالفعل هو يشعر بثقل كبير موضوع على قلبه: “أنا مبهزرش أنا فعلًا حاسس بقلق. ”
ثم أشار لهم بألا يقاطعوه: “أنا عارف إنها مهمة مش خطر للدرجة دي لكن أنا فعلًا قلقان حاسس بعدم أمان كده. ”
تحدث آسر متفهمًا حالة أخيه: “أكيد لأن عليك ضغط كبير حاول تهدي أعصابك قوم نام وسيب القرآن شغال جمبك. ”.
نقاشات كثيرة وانتهى الحوار ببعض الإطمئنان، دائمًا ما أطمأن برفقة أهله وتجمعهم، رفقة أخيه آسر فبرؤيته يستقر الهدوء بأوصاله فما بالك بحديثه هو يراه بمثابة والده.
ليلة طويلة لم تمر مرور الكرام على أي شخص منهم، من فكر بالغد ومن فكر بماضي رممه أو ظن ذلك وفوجأ بأشياء كثيرة أثناء فتحه لعيناه وكأنه كان بحلم وفاق على صفعةٍ.
كانت تقف بغرفة تبديل الثياب بعدما أنهت التدريب الصباحي وبدأت بالاستعداد للمهمة.
سمعت طرقات على الباب لتتجه إليه كي تفتحه فكان العامل بالمبنى: اتفضلي الهدية دي جاتلك.
عقدت حاجبيها فهدية لما لم يبعثها الراسل للمنزل؟
أخذتها منه ودخلت الغرفة ليتجه حيث المكاتب، خاصةً مكتب سيف: تمام يا باشا.
ابتسم له قائلًا: كوباية شاي بقى حلوة من بتوعك؟!
وبالعودة لغرفة تبديل الثياب فتحت شنطة الهداية لتلقى علبتان صغيرتان...
فتحت الأولى بدهشة: خاتم؟
خاتم من الفضة برسمة فراشة صغيرة لترتديه مع ابتسامة رُسمت تلقائيًا.
ثم أمسكت الأخرى وكانت العلبة طويلة أثارت فضولها لتفتحها: سلسة بفراشة!
ضحكة بسعادة ليلفت انتباهها الكتابة المحفورة في باطن العُلبة كالفراشة أنتِ.
زادت ابتسامتها وهي ترى الكارت المُرسل مع تلك الهدية أقبليني غريقًا أيتها الفراشة.
غريق،
كررتها عالمة بهوية المُرسل.
وبعد مرور الوقت، خرجت نور وكذلك البقية وضعت نور شنطة الهدايا بحقيبة كبيرة بعض الشيء بها أشياءها وأشياء سيف ومهند.
تلك الحقيبة ستُرسل لمنزل الأسيوطي مع السيارة الخاصة بسيف.
خرج سيف من مكتبه يفرك عيناه فقد غفى لدقائق حينما تأخّر كوب الشاي، ناد العامل قائلًا: الشاي يا ابني لو سمحت.
أتى مهند واستمع له ليلكزه بكتفه بغيظ: شاي إيه، يلا عشان هنتحرك.
ثم استرسل: صقر هيقتلك عشان محضرتش الاجتماع، وعلى فكرة هو مش جاي معانا.
تجاهل كلامه هامسًا بصوت سمعه مهند: حلو عشان محدش يضايقني وأنا بضايق نور.
أنهى كلامه وهو يرحل تاركًا مهند يضرب كف بآخر هاتفًا: شوف بقوله إيه وهو بيقول إيه؟!
أما سيف فاقترب من نور ليلمح السلسال بعنقها وقبل أن يُحدثها كانت ابتعدت غير منتبه له.
نظرت نور للساعة بيدها تتسائل كيف مر الصباح بدون ازعاج سيف لترفع عيناها فتراه يخلع خاتمًا أو دبلة ما ويضعها بحقيبة صغيرة له.
بمرور الوقت تُنسى المشاعر وتُمحى أو هكذا نظنها من الروتين اليومي وتكرار ذات المشاهد.
مر الوقت سريعًا حتى دقت التاسعة معلنة عن رحلة جديدة وتكملة لبقية أحداث اليوم ولم ترسوا السفينة بعد.
هبطت من السيارة بفستانٍ من اللون الأحمر القاتم تتميز أذرعه بالميل على الأكتاف.
ضيق من الأعلى يتسع من بعد الخصر يصل إلى ما بعد الركبة بقليل.
وارتدت حذاء ذو كعب باللون الفضي ليتشابه برباط الخصر.
أما عن شعرها فسدلته على ظهرها وعقدت خصلتان، خصلة من اليمين بخصلة من اليسار.
دارت بعيناها بالمكان فقد تركها ذلك السائق بعدما أوصلها لهنا متذكرة ما حدث بالصباح بعدما أعطاها تلك الملابس وأخبرها أنه سيمر عليها في التاسعة ليأخذها حيث أمره آسر.
بدأ جسدها يرتجف من نسمات الهواء الباردة اللافحة لها بسبب البحر وأنها تقف هكذا منذ ما يقارب للخمس دقائق.
انتفض جسدها أثر سرسبة بعض الكلمات لأذنها ويديه التي التفتت حول خصرها.
تبدينا أجمل من القمر.
لكزته بخصره ليصدر تآوه بصوت خافت وهي تلتفت له هاتفة بدهشة بأول شيء خطر ببالها: رجعت للقراءة؟
ضحك وهو يضمها أكثر: أه رجعت أقرأ، القراءة روحي اللي كانت ضايعة.
التفتت بكامل جسدها تناقشه بحدة فهي حمقاء تشعر بالغيرة بسبب اهتمامه بالقراءة وتظن أنه يهتم بالقراءة أكثر منها: على فكرة أنا بغير من اهتمامك بالقراءة، بحسك بتهملني لما بتهتم بحاجة غيري أنا ولولا.
اكتفى بالابتسامة فبماذا يجيب لتسترسل حديثها بتعجب وهي ترفع يدها تحيط رقبته تقترب منه كي تشعر بالدفء سائلة: بتلاقي أصلًا وقت امتى للقراءة؟!
أجاب بنبرة بدت لها مستفزة وبالأساس هو يعلم أثر رده عليها: مبضيعش وقتي في الخناق مع سيف أو نور لأ ألماسة، مهند كان ضايقني الشهر اللي فات أقوم أتخانق معاه، نورسين هادية أقوم أضايقها.
جذبت رأسه باتجاها بعنف مصدرة أصوات سخرية: هه، ماشي يا رجل الأعمال اللي مبيضيعش وقته وكان الأول على الجمهورية وبيشتغل خمسين ساعة في اليوم.
ضحك وهو يبتعد عنها قائلًا: هستناكي في نهاية الممر.
طب ما تمشي معايا؟!
قالتها بتعجب لكنه لم يجيبها وابتعد عنها للخلف.
لم تهتم كثيرًا فيكفي بأنه موجود بالمكان لتشعر بالأمان.
بدأت بالتحرك للأمام ليضيء ضوء خافت على جانبي الممر، أضواء خافتة أوصلتها لطاولة صغيرة عليها ورد وعلبة للمجوهرات.
أمسكت الورد وكان بلون الأحمر، ورد جوري مدت يدها للعلبة تفتحها...
وكانت سلسال من الفضة بشكل وردة سداسية الأقطاب وبكل قطب من الأعلى حجر زريكون باللون الأخضر ومن الخلف محفور عليها اسم ألماس وألماسة وآسر.
احتضنها آسر من الخلف وهو يحمل دفتر من أسفل مجموعة الورد لذلك لم تراه: الدفتر ده فيه كل كلمة مقولتهاش ليك من أول يوم شوفتك فيه ومن هنا ورايح أي حاجة هحب أقولهالك أو تحبي تقولهالي ومكنش موجود تكتبيها هنا.
أثارها الفضول لقراءة الدفتر لكن نظرة للسلسال بيدها ليأخذه منها وهو يخلع لها تلك التي كانت ترتديها قائلًا: الوردة دي اتكتب عليها ثلاث أسماء ولسه ثلاث وهما،
وترك كلامه معلق لتفهم هي مقصده، أي يريد ثلاث أطفال آخرين غير ألماسة! لقد جُنّ!
ضحكت بصدمة هاتفة: أكيد اتجنيت.
ضرب أنفها بأنامله بعدما أدارها له قائلًا: لسانك طويل.
علت صوت الموسيقى بالأجواء، مد يده يدعوها لتلك الرقصة لم تتردد لحظةٍ ومدت يدها ليسحبها لصدره برقةٍ هامسًا بأذنها: أحبك.
أجابت بلهجتها العامية تقترب من أذنها: بحبك، مهما اختلفت لهجتنا هيجمعنا الحب.
قالتها وهي تبتعد مع أنغام الموسيقى يستعيدان ذكرى تلك الموسيقى، تلك الرقصة التي ظلت تتكر منذ يومهم الأول وبكل مرة يتواصلان بلغتان أو لهجتان مختلفان وكأنهما يثبتان بأن ما جمعهما الحب مهما اختلفت طبقاتهم، لهجاتهم وغيرها من الأشياء...
وبالطريق الصحراوي لمدينة عروس البحر كانت تتحرك سيارات الشرطة بسرعةٍ قاصدين إحدى الطُرق الجانبية صاحبت الشُبهات.
أوشكت نور على النوم من الملل ليهتف مهند كالمنبه لهم أو فنار يُنبه قبطان السفينة أنه على بُعد صغير من وجهته: وصلنا على حدود المدينة.
ثم استرسل وهو يضع سلاحه بحزامه كي يستعد: لسه ساعة على معاد التسليم والرجالة قالوا المنطقة فاضية من بدري يعني لو غيروا المعاد إحنا هنكون موجودين، يلا.
فور قول كلمته الأخيرة كان تجهز كلًا منهم بالأسحلة وهبطوا لبدأ رحلة قصيرة من السير لِما يُقارب لنصف ساعة.
حتى وأخيرًا وصلوا للمكان المُحتمل به التسليم وما إن رسى كلًا منهم بموضعه حتى انتشر الغبار أثر السيارات المقصودة.
وقفت سياراتان بمنتصف الطريق ويبدو أنهم قائدان تلك العملية تلاهم كما يُقال أسطول من السيارات على كلا الجانبان وبلحظات انتشرت الرجال أصحاب أجسام رياضية يتضح عليهم القوة وبأيديهم أسلحتهم.
وبالعودة للسيارتان بالمنتصف، هبط من الأولى رجل من بنيته فهو بمنتصف الثلاثينات ومن الأخرى هبط رجل يظهر على جسده معالم الزمن فكان يظهر عليه الضعف وأنه اقترب للعقد السادس تقريبًا أو تخطاه بعمرٍ ورغم ذلك ما زال مندثر بتلك الأعمال على أن يستغفر لذنوبه.
ودونًا عن الجميع كان هذا الهزيل ملثم بقطعٍ سوداء أخفت وجهه.
بعد نقاشات عديدة بين الطرفان لم يهتم بها أحد حان وقت وقت التسليم وحينها علت الأسلحة بالأجواء وظهر صوت مهند والذي أصبح القائد بغياب سوارين والصقر فخُير هو وسيف من منهم يكن القائد؟
وبعد نقاشات كان مهند قائد تلك المهمة: سلموا نفسكم المكان كله محاصر.
كانت جملة تقليدي جدًا سبه عليها سيف وبالطبع لم يرفعوا الراية البيضاء بل بدأ نزاع الأسلحة وبعد مدة كان نصفهم مصاب ومهند يسيطر على الساحة ومعه مصابان فقط.
فر الملثم بذلك الشاب ومعهم بعض الرجال لمخزنٍ قريب ليهتف مهند وهو يهتم هو ورجاله بذلك العدد الصغير والشُحنة:
نور، سيف وراهم بالقوة بتاعتكم وأنا هخلص على دولا وأمن المكان.
انسحب نور وسيف بقوتهم وغادر الرجلان المصابان بجزء من الفريق يعلنوا الانتصار أثناء هرب بعض أعوان الملثم يلحقهم فريق ليتبقى مجموعة من الرجال لينقسم اثنان جزء مع مهند لداخل المخزن والجزء الآخر يُأمن الوضع.
بداخل المخزن كان الرجال منقسمان نصفان، نصف أيمن يرأسه الملثم والشاب برجالهم والآخر نور وسيف برجالهم.
بدأ سيف التهديد والجميع مختبأ لكن يظهر أن تلك الأجواء لم تعجب الملثم ليهتف وهو يتعرى من مخبأه واقفًا بمنتصف المكان:
ما بلاش جو الغميضة ده يا سيف باشا وخلينا نلعب على المكشوف.
شعرت نور برهبة بسبب حديثه واعتلى الخوف جسدها من أن يُصاب سيف فلقاء المواجهة يسقط به رجالهم أكثر من العادة.
قبل أي نقاش بعيناها مع سيف رأته يشير للرجال بتأمين ظهره وخرج كاشفًا عن مخبأه هو الآخر.
لم تترد نور للحظة بلإنضام لسيف وبعد مناقشات بالتسليم ها قد خرج الشاب من مخبأه.
من الواضح عدم الثقة، هكذا هتفت نور بداخلها.
هتف سيف بملل من تلك المناقشة: حوار سخيف حقيقي واللي مصبرني عليك إني عندي أوامر إني أجيبك حي.
أنهى حديثه بضيق فهو لا يحب المناقشات الكثيرة، يُحب حديث الأسلحة، أو الإنهاء برصاصة بمنتصف الرأس.
حينما أنهى سيف حديثه دخل مهند للمخزن برجاله ليبدأ الرجل بالشعور بالخطر من عددهم هاتفًا: بس أنا بقى معنديش أوامر إني أسيبك،
ما كاد يفهم أحدهم حديثه حيث بدأ بضرب النار وهو يعود للإختباء وكذلك فعل الجميع.
أما الشاب فسب ولعن ذلك الشخص الذي أمره والده بأن يُسلمه الشحنة فهو نذل قد ضرب نار وهو متعري فماذا إذا أُصيب؟!
هكذا ظل يسأل نفسه بضيق ولا ينتبه لشيء حتى قرر أن يتخذ هو أيضًا قرار بمفرده بدون أوامر والده أو أي شخص.
وجه سلاحه للملثم ناويًا قتله والتفاوض مع الشرطة ثم ولسذاجته ظن أنه سيرحل.
فور طلقه للنار أُصيب بطلقةٍ في رأسه فقد تعرى تمامًا من أي مخبأ وكان الوسط مليئ بالرصاصات الطائرة من الجانبان.
لن تعلم من أطلق النار لكن نوى الملثم نية ليست بالخير، وبعد استنزاف قوته طلب وقف إطلاق النار والتفاوض.
بعد تفاوص الأعين بين الثلاث وافقوا؛ ليخرجوا سيف واقفًا في المقدمة ويمينه نور وباليسار مهند.
كان رجال الملثم قليلين وقد رأى أن رجال مهند هكذا لذلك فكر بالخيانة وأثناء الحديث...
سمعوا صوت يأتي من خلف الثلاثة لتشير نور بعيناها لمهند بتفقد الوضع ورجالهم يخرجون واحدًا تلو الآخر لتأمين المخارج والمداخل حتى لا يهرب ذلك الشخص والذي يُعد بالفعل أول حلقة بخيط الفساد ذلك.
ابتعد مهند يتفقد المكان ولكن لا شيء بالوسط ليلتف يناظر نور التي تنظر له وقد ابتعدت قليلًا عن سيف.
صرخ مهند باسم نور وهو يرى ذلك الملثم يصوب السلاح اتجاهها قائلًا: أنتِ بالأخص عايز أخلص من روحك.
لم يكد يفهم أيّنْ منهم شيء حتى رأى مهند السلاح ليصرخ باسم نور: نور.
علي صريخ مهند بالمكان يليهم صوت اطلاق النار تزامنًا مع صراخ نور بصدمة...
ما يُخبئه الزمن كثيرًا فلترميم الحاضر عليك التخلص من تلف الماضي، ومن هنا نبدأ بسرد حكاياتٍ صغيرة قصيرة ستُنهي روايتنا عن قريب، رواية بدأت بفراقٍ وألم ظنوه عقابًا بسبب الخطايا، وسنسرد معًا نهايتها.
سنسرد جزء من الألم وجزء من الحب والابتسامات بدون اعترافٍ ولن نغفو عن النزاعات.